الأربعاء، شعبان ٢٣، ١٤٢٨

عربي/ En

ضمن كل الأسئلة التي توقعتها من الأشخاص الذين قابلتهم في كندا لم أواجه فعليا أي أسئلة غريبة أو محرجة .قبل أسبوعين تقريبا طرح علي الطبيب الذي كنت أعمل معه سؤالا جعلني أفكر كثيرا

لمعظم الغربيين الذين عملت معهم طريقة خاصة في التعبير تختلف عما تعودنا عليه. إنهم لا يجاملون كثيرا، و لكنهم إذا عرضوا خدمة فهم يقصدونها فعلا، و بالتالي فهم لا يعرضون أداء خدمات لا يستطيعون أداءها أو تشكل مشقة و تكلفا. و الوضوح هو شيء آخر يختلفون فيه عنا. لا ينتهي الحوار مع أحدهم إلا و قد عرفت ما هو المتوقع من كل منكما بخصوص موضوع الحوار. أحس بالاختلاف فورا عندما أدعو إحدى صديقاتي العربيات إلى فنجان شاي، و تنتهي المكالمة و أنا لم أعرف إن كانت دعوتي ستلبى أم لا.

في البداية و عندما عرفت أنني سأعمل مع هذا الطبيب لم أتوقع أنني سأقضي و قتا جيدا في العمل معه. كان يبدو قليل الابتسام، و واضحا في كلامه بطريقة مربكة لي. كان كثير السؤال عن تفاصيل حديثي فيما يخص العمل. و لم يكن يمرر شيئا يقوله أحد دون أن يستفسر منه عما يقصد.

لاحظ هذا الطبيب أن لغتى الانجليزية جيدة إلى حد كبير ، و هو شيء لا يتوقعه الكثيرون من أشخاص لم يعيشوا خارج بلادهم التي تعتمد لغة أخرى تماما. طبعا أخبرته أن مصدر ذلك هو دراستي للطب باللغة الانجليزية لمدة ست سنوات. و عندئذ سألني: لماذا لا ندرس الطب باللغة العربية؟ كدت أن أقول له: لا تقلب علي المواجع، لو كنت أعرف معناها باللغة الانجليزية، فالموضوع مهم جدا بالنسبة لي.

بسبب طبيعتي التي تميل إلى الاختصار، و هو أمر لفت هو نظري إليه فيما بعد، أخبرته بأن اللغة الانجليزية هي لغة العلم في هذا العصر. و دراسة الطب بها ستجعل الوصول إلى أحدث المعلومات العلمية و الطبية و التواصل مع العالم في المجال الطبي أمر سهلا على الدارسين.

رأيي الشخصي يزيد على ذلك قليلا: فالمشكلة أكبر من ذلك. أؤمن تماما بأن الدراسة باللغة الأم تزيد من فهم و استيعاب المادة. أتذكر بوضوح أن الموضوعات الطبية التي قرأتها في مجلات عربية مثل " أهلا و سهلا" خلال سنوات دراستي رسخت في ذهني بشكل كبير. إضافة إلى ذلك، أجد أنه من المخجل أن لا نعرف كأطباء عرب، ما هي أسماء الأمراض التي نتعامل معها يوميا باللغة العربية.

من جهة أخرى: قابلت بعض الأطباء الذين تخرجوا من جامعات تدرس الطب باللغة العربية، في سوريا و الأردن و السودان. كان حديثوا التخرج منهم يعانون معاناة رهيبة في التأقلم مع الوسط الطبي في المملكة، و الذي يعتمد اللغة الانجليزية في كل شيء. و لكن أوضاع الكثيرين منهم تحسنت مع الكثير من المجهود، و أصبحوا قادرين على مجاراة الآخرين الدارسين بالانجليزية

و بالنسبة لي و لبعض من هم في وضعي، فإننا نجد صعوبة في فهم بعض المصطلحات الطبية بلغتنا الأم، رغم أن بعضها تبدو منطقية إلى حد كبير، ف" أم الدم " هو الاسم العربي لل
aneurysm
أما " المعثكلة" فهي
pancreas

لقد درس هذا الموضوع بتوسع على حد علمي. و هناك كتب و معاجم للمصطلحات الطبية باللغة العربية، أهدي أحدها إلينا في جدة. كان مرجعا هاما جدا خاصة عندما كنت أحتاج لكتابة تقرير مفصل باللغة العربية عن حالة مريض

أعتقد أن الدراسة باللغة الانجليزية مناسبة حتى الآن، لكن لا بد لنا من بذل مجهود إضافي للإلمام بالمصطلحات الطبية بلغتنا الأم أيضا
----------------------------------------

في نفس ذلك اليوم سألني هذا الطبيب عن اسم المدينة التي قدمت منها. ثم رسم لي خريطة صغيرة جدا للجزيرة العربية أدهشتني. بالتأكيد لم تكن خريطته لتعجب أي جغرافي ، و لكن بالنسبة لكندي لم تطأ قدماه الجزيرة العربية فهي إنجاز رائع. أشار بعد ذلك إلى موقع الرياض و مكة بنفسه ثم طلب مني أن أشير له إلى موقع جدة، و سألني على أي بحر تطل.

حتى الآن أتذكر له ذلك اليوم بامتنان. حين يتعامل معك من أمامك كإنسان غريب قطع مسافات طويلة ليكون هنا. نحن لم نحضر من الشارع المقابل للمستشفى، و لسنا من المدينة و لا الدولة نفسها أساسا...ناهيك عن التباين الثقافي الواسع. أظنني تعلمت كيف أتعامل مع الأغراب في بلادي، حين تنتهي غربتي يوما

إنه شعور غير جيد أن تكون جزءا من أقلية

هناك ١١ تعليقًا:

غير معرف يقول...

الشيخ على الطنطاوي الله يرحمه اتكلم على تدريس الطب بالعربي

وقال اذا مرضت ابنتي فإني سأذهب بها إلى طبيب مطلع على آخر ماوصل اليه العلم الحديث وليس إلى طبيب ضليع بالعربية

اقتراحه أن يتم التدريس بالعربية ولكن تستخدم المصطلحات الانجليزية

عموماً

نحن نعيش في واقع خطأ فرض علينا ،

غير معرف يقول...

بالفعل .. العودة إلى اللغة الأم و الدراسة و طلب العلم بها له مردود إيجابي على إثرائها و إثراء بحوثها

و لكن كما قال ياسر

نحن نعيش واقع خطأ فرض علينا

The Blood Doctor يقول...

أهلا ياسر

الموضوع محير و معقد

مجرد انعكاس لانهزامية أمتنا

مشكور على المرور
-------------------

أهلا فاطمة

صدقت فإن لم نقف نحن للغتنا فمن سيقف لها؟

شكرا لك على الإطلالة

Unknown يقول...

أشكر لك طرحك لهذا الموضوع
إنه حقا من المواضيع الشائكة
أنا طالبة في كلية الطب ومنذ الآن أعيش معاناة الترجمة خاصة حين تطرح أسئلة من الأقارب والأهل ولا أستطيع الإجابة عنها بطلاقة
ومن الطريف أنني كتبت في هذا الموضوع قبل فترة في مدونتي

وللإفادة يوجد موقع للمعجم الطبي الموحد
http://www.emro.who.int/umd/
أحببت قراءة موضوعك

MZ يقول...

سعدت بدونتك

تدريس الطب بالعربية سيحدث يوما ما

عندما نكون نحن مصدر العلم والابحاث الجديدة وقادة الحضارة في هذا العالم

عندها سيحق لنا تسمية الأشياء بلغتنا

الاقوى ينتصر دائما

The Blood Doctor يقول...

4th

نورت المدونة
شكرا جزيلا لك على الرابط

أحب كثيرا الاطلاع على مدونتك فهلا أسعدتني برابط لها؟
--------------

طبيب جراح

شكرا لمرورك و لأن المدونة أعجبتك
مررت على مدونتك أيضا فشكرا لك على الرابط كثيرا

عسى أن تتغير الأحوال يوما

Unknown يقول...

rabaa.baitalmal.com
هذا هو عنوان مدونتي
يسعدني أن تقرأي الموضوع
مع العلم بأنني لا أكتب كثيرا فيها

The Blood Doctor يقول...

4th

مدونتك رائعة
سعدت باكتشاف أنك زميلتنا في كلية الطب

سلمي لي عليها رجاء
:)

غير معرف يقول...

لا اعتقد انها فكره منطقيه ان نستبدل اللغة الانجليزيه في دراسة الطب باللغة العربيه, لكن ماذكرته بخصوص معرفة مترادفات المصطلحات الطبيه الانجليزيه بالعربيه ذلك أمر محتم مادمت ستعملين لاحقاً في البلاد العربية , الا توجد خلال دراستك في السعوديه الزام بمعرفه المصطلحات باللغتين..؟

The Blood Doctor يقول...

pastel

أشرقت المدونة بمرورك

لا أظن أن تدريس الطب باللغة العربية
فجأة سيكون قرارا مناسبا
خاصة و أن موقفنا كأمة ضحكت من جهلها الأمم، لم يتغير

و ردا على سؤالك: ليس ذلك إجباريا و إنما اجتهاد فردي

د. محمد رضا يقول...

المشكله ان اللي عملوا الطب الحديث عملوه ب لغتهم

والعربي فيه مرعب

زي الزند والعكبره بدال رديس وألنا

وفعلا بيتدرس في سوريا عربي

تلاقي الدكتور السوري يقولك روح اعمل خزاعه

خزاعه !!

عموما ما دام العالم بيدرسه كدا

يبقى كدا افضل للعولمه

ماهو السوري بيقعد في الندوات الطبيه

مش فاهم اي حاجه اطلاقا

وبيضطر ياخد كورس انجليزي طبي

تحياتي ليك يا دكتور


د. محمد رضا